السبت، 2 فبراير 2013

تعْقـِـيبـــــــــــــَات علَى كِتَاب السَّلفيَّة ليسَتْ مَذهَباً


رد العلامة الفوزان على البوطي في كتابه
( السلفية مرحلة زمنية مباركة لامذهب إسلامي)


تعْقـِـيبـــــــــــــَات علَى كِتَاب السَّلفيَّة ليسَتْ مَذهَباً
 بقلم د.صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
 الأستاذ بجماعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميــــة



بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ



الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا ، وأشهد أن ى إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم. وبعد: فقد اطلعت على كتاب من تأليف الدكتور/محمد سعيد رمضان البوطي بعنوان: (السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي)..



فاستغربت هذا العنوان لما يوحي به من إنكار أن يكون للسلف مذهب ومنهج تجب علينا معرفته والتمسك به ، وترك المذاهب المخالفة له ، ولما قرأت الكتاب وجدت مضمونه أغرب من عنوانه حيث وجدته يقول فيه: إن التمذهب بالسلفية بدعة، ويشن حملة على السلفيين. ونحن نتساءل: هل الذي حمله على أن يشن هذه الحملة الشعواء على السلفية والسلفيين الحملة التي تناولت حتى القدامى منهم كشيخ الإسلام ابن تيمية وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب هل الذيحمله على ذلك كراهيته للبدع فظن أن التمذهب بالسلفية بدعة فكرهه لذلك؟ كلا ، ليس الحامل له كراهية البدع ، لأننا رأيناه يؤيد في هذا الكتاب كثيرا من البدع: يؤيد الأذكار الصوفية المبتدعة ، ويؤيد الدعاء الجماعي بعد صلاة الفريضة وهو بدعة ، ويؤيد السفر لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وهو بدعة..

فاتضح لنا والله أعلم أن الحامل له على شن هذه الحملة هو التضايق من الآراء السلفية التي تناهض البدع والأفكار التي يعيشها كثير من العالم الإسلامي اليوم وهي لا تتلاءم مع منهج السلف ، وقد ناقشت في هذه العجالة الآراء التي أبداها في كتابه المذكور حول السلفية والسلفيين.

وذلك من خلال التعقيبات التالية ، وهي تعقيبات مختصرة تضع تصوراً لما يحتويه كتابه من آراء هي محل نظر ، وإذا كان الدكتور يعني بحملته هذه جماعة معينة فلماذا لا يخصها ببيان أخطائها دون أن يعمم الحكم على جميع السلفيين المعاصرين ، وحتى بعض السابقين منهم ، والآن التعقيبات..

التعقــيب الأول :

قوله في العنوان: (السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي) اهـ.

هذا العنوان معناه أن السلف ليس لهم مذهب يعرفون به وكأنهم في نظره عوام عاشوا في فترة من الزمن بلا مذهب..

وأن تفريق العلماء بين مذهب السلف ومذهب الخلف تفريق خاطئ ؛ لأن السلف ليس لهم مذهب ، وعلى هذا لا معنى لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين..) ، وقوله لما سئل عن الفرقة الناجية من هي؟ قال: (هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) لا معنى لهذا كله ؛ لأن السلف ليس لهم مذهب ، ولعل قصد الدكتور من ذلك هو الرد على الذين يتمسكون بمذهب السلف في هذا الزمان ويخالفون المبتدعة والخرافيين.

التعقــيب الثــاني:

قوله في صفحة (5): (هذا الكتاب لا يتضمن أي مناقشة لآراء السلفية وأفكارهم
التي يعرفون بها ، كما لا يتضمن تصويبا ولا تخطئة لها) اهـ.

ومعنى هذا أن الآراء السلفية قابلة للمناقشة والتخطئة ، وهذا فيه إجمال ؛ لأن السلفية بعناها الصحيح المعروف لا تخالف الكتاب والسنة فلا تقبل المناقشة والتخطئة ، وأما السلفية المدعاة فهي محل نظر ، وهو لم يحدد المراد بالسلفية ، فكان كلامه موهماً عاماً يتناول السلفية الصحيحة المستقيمة.

التعقــيب الثــالـث:

في صفحة (12) المقطع الأول يعلل فيه وجوب اتباع السلف بكونهم أفهم للنصوص لسلامة لغتهم ولمخالطتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا فيه نقص كبير ، لأنه أهمل قضية تلقيهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعلمهم منه وسؤالهم إياه ، ومشاهدتهم للتنزيل على رسول الله ، وتلقيهم التأويل عنه صلى الله عليه وسلم ، وهذه مرتبة من العلم لم يبلغها غيرهم ، وقد أهمل ذكرها وتناسها تماما ، كما أنه في آخر هذه الصفحة يقرر أن اتباع السلف لا يعني أخذ أقوالهم والاستدلال بمواقفهم من الوقائع وإنما يعني الرجوع إلى القواعد التي كانوا يحتكمون إليها.

ومعنى هذا الكلام أن أقوال السلف وأفعالهم ليست حجة وإنما الحجة هي القواعد التي كانوا يسيرون عليها وهذا الكلام فيه تناقض ؛ لأن معناه أننا نلغي أقوالهم ونأخذ قواعدها فقط ، ونستنبط بها من النصوص غير استنباطهم ، وهذا إهدار لكلام السلف ودعوة لاجتهاد جديد وفهم جديد يدعي فيه أنه على قواعد السلف.

التعقــيب الرابــع:

في صفحة (13-14) ينكر أن تتميز طائفة من المسلمين من بين الفرق المختلفة المفترقة وتسمى بالسلفية ، ويقول: لا اختلاف بين السلف والخلف ولا حواجز بينهم ولا انقسام. وهذا الكلام فيه إنكار بقول الرسول صلى الله عليه ويلم : {لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم).

وقوله صلى الله عليه وسلم: {وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) قيل من هي يا رسول الله؟ قال: (هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي} فهذان الحديثان يدلان على وجود الافتراق والانقسام والتميز بين السلف وأتباعهم وبين غيرهم.

والسلف ومن سار على نهجهم ما زالوا يميزون أتباع السنة عن غيرهم من المبتدعة والفرق الضالة ويسمونهم (أهل السنة والجماعة وأتباع السلف الصالح) ومؤلفاتهم مملوءة بذلك. حيث يردون على الفرق المخالفة لفرقة أهل السنة وأتباع السلف. والدكتور يجحد هذا ويقول: لا اختلاف بين السلف والخلف ولا حواجز بينهم ولا انقسام اهـ. وهذا إنكار للواقع مخالف لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من وجود الانقسام والافتراق في هذه الأمة وأنه لا يبقى على الحق منها إلا فرقة واحدة.

التعقــيب الخــامس:

من صفحة 14 17 يحاول أن يبرر قوله بعدم وجوب الأخذ بأقوال السلف وأعمالهم وتصرفاتهم ؛ بأن السلف أنفسهم لم يدعوا الناس إلى ذلك وبأن العادات تختف وتتطور في اللباس والمباني والأواني……الخ ما ذكره.

وهذا الكلام فيه جهل وخلط وتلبيس من وجهين:

الوجه الأول: قوله: إن السلف لم يدعوا إلى الأخذ بأقوال السابقين اهـ.

وهذا كذب عليهم ، فإن السلف من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين يحثون على امتثال ما أمر الله ورسوله به من الاقتداء بالسلف الصالح ، والأخذ بأقوالهم ، والله قد أثنى على الذين يتبعونهم ، فقال تعالى :{والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات} الآية ، وقال صلى الله عليه وسلم عن الفرقة الناجية: { هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي}..

وقال صلى الله عليه وسلم: { عليكم بسنتي وستة الخلفاء الراشدين من بعدي} ، وقال عبد الله بن مسعود: من كان مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ، أولئك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبر الناس قلوبا وأغزرهم علماً وأقلهم تكلفاً.. وقال الإمام مالك بن أنس: { لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أو لها} إلى غير ذلك مما تضمنته الكتب المؤلفة في عقائد السلف والمسماة بكتب السنة ، ككتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد ، وكتاب السنة للآجري ، وكتاب السنة لابن أبي عاصم وغيرهت تذكر أقوال السلف وتحث على الأخذ بها.

الوجه الثاني: أنه جعل مسائل العادات كالمباني والأواني والملابس كمسائل العلم والعقائد والعبادات تختلف باختلاف الأزمنة والأعراف وهذا منه جهل أو تلبيس ، فإن الفرق في ذلك معروف لأقل الناس ثقافة وعلماً ، كل يعرف أن العادات تختلف وأما العبادات وأحكام الشريعة فهي ثابتة.

التعقــيب الســادس:

في صفحة 18 المقطع الأخير يقول: إن السلف لم يجمدوا عند حرفية أقوال صدرت عنهم اهـ. ومراده أن السلف لا يبقون على أقوالهم بل يتحولون عناه ومن ثم لا يجب علينا الأخذ بأقوالهم.. وهذا فيه إجمال ، فإن كان مراده أقوالهم في العقيدة فهو كذب عليهم ؛ لأنهم ثبتوا على قولهم في العقيدة ولم يتحولوا عنه ، وإن كان مراده أقوالهم في المسائل الاجتهادية فهم لا يجمدون على القول الذي ظهر لهم أنه خطأ بل يتركونه إلى الصواب.

التعقــيب الســابع

قوله: فكل من التزم بالمتفق عليه من تلك القواعد ( ) والأصول وبنى اجتهاده وتفسيره وتأويلاته للنصوص على أساسها فهو مسلم ملتزم بكتاب الله وسنة رسولهاهـ.

نقول: ضابط الإسلام قد بينه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل وهو: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً ( ). فالمسلم هو الملتزم بالإسلام المقيم لأركانه ، فلا حاجة إلى هذا التعريف الذي ذكره مع تعريف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم إن تعريفه فيه إجمال وعدم وضوح فهو يتيح لكل أحد أن يفسر الإسلام بما يريد ، يدل على ذلك قوله فيما بعد: نعم إن من قواعد هذا المنهج ما قد يخضع فهمه للاجتهاد ومن ثم فقد وقع الخلاف الخ.

فهل الإسلام قابل للاختلاف؟ كلا بل إن أصول الإسلام والعقيدة ليست مجالاً للاجتهاد والاختلاف ، وإنما هذا في المسائل الفرعية ، فمن خالف في أصول الدين وعقيدته فإنه يكفر أو يضلل بحسب مخالفته ؛ لأن مدارها على النص والتوقيف ولا مسرح للاجتهاد فيها.

التعقـــيب الثـــامن

قوله في ص 23: إن السلفية لا تعني مرحلة زمنية ، قصارى ما في الأمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصفها بالخيرية كما وصف كل من عصر آت من بعدُ بأنه خير من الذي يليه ، فإن قصدت بها جماعة إسلامية ذات منهج معين خاص بها ، فتلك إذن إحدى البدع اهـ.

ونقول: هذا التفسير منه للسلفية بأنها مرحلة زمنية وليست جماعة تفسير غريب وباطل ، فهل يقال للمرحلة الزمنية بأنها سلفية؟ هذا لم يقل به أحد من البشر ، وإنما تطلق السلفية على الجماعة المؤمنة الذين عاشوا في العصر الأول من عصور الإسلام ، والتزموا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ووصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: "خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" الحديث..

فهذا وصف لجماعة وليس لمرحلة زمنية ، ولما ذكر صلى الله عليه وسلم افتراق الأمة فيما بعد قال عن الفرق كلها: "إنها في النار إلا واحدة" ووصف هذه الواحدة بأنها هي التي تتبع منهج السلف وتسير عليه فقال: "هم من كان على مثل ما أن عليه اليوم وأصحابي"..

فدل على أن هناك جماعة سلفية سابقة وجماعة متأخرة تتبعها في نهجها ، وهناك جماعات مخالفة لها متوعدة بالنار ، وما ذاك إلا لضلال هذه الفرق المخالفة للفرقة الناجية ، لا كما يقول فيما سبق في صفحة 20-21: ومن حق صاحب أحد الرأيين أو الآراء في تلك المسائل الاجتهادية أن يطمئن إلى أن ما ذهب إليه هو الصواب ، ولكن ليس من حقه أن يجزم بأن الذين خالفوه إلى الآراء الأخرى ضالون خارجون عن حظيرة الهدى اهـ.

ونقول له: ليس هذا على إطلاقه ، إنما هو في المسائل الفروعية التي هي مسرح للاجتهاد ، أما مسائل العقيدة فلا مجال للاجتهاد فيها وإنما مدارها على التوقيف ومن خالف فيها ضُلِّل أو كُفِّر بحسب مخالفته ، وقد ضَلَّل السلف القدرية والخوارج والجهمية وحكموا على بعضهم بالكفر لمخالفتهم منهج السلف.

التعقـــيب التـــاسع

زعم في صفحة 27-31 أن الصحابة لم يكن بهم حاجة إلى تحكيم ميزان علمي في الاستنباط. وهذا فيه إجمال ، فإن أراد بالميزان العلمي فهم النصوص ومعرفة معانيها وما يراد بها فهم أغزر الناس علماً في ذلك وأقلهم تكلفاً ، وإن أراد بالميزان العلمي منهج الجدل وعلم الكلام فهذا ميزان جهلي لا ميزان علمي ، وهم أغنى الناس عنه ، وقد تركوه وحذروا منه وضللوا أصحابه لأنه لا يوصل إلى حقيقة ولا يهدي إلى صواب ، وإنما آل بأصحابه إلى الشك ، وإن زعم من ابتلي به أنه ميزان علمي ووصفوا أنفسهم بأن طريقتهم أعلم وأحكم وأن طريقة السلف أسلم ويوصفون بأنهم ظاهريون كما وصفهم الدكتور بذلك في هذا الكتاب في صفحة (31) فقال: (ومن ثم فإن الشأن فيما ذكرناه عنهم من ابتعادهم عن ساحة الرأي وعدم الخوض فيما تلقوه أنباء الغيب وغوامض المعاني ، ووقوفهم في ذلك مع ظاهر النصوص دون تعطيل ولا تشبيه) فهذا معناه: أن طريقة السلف طريقة بدائية تقف عند ظاهر النصوص وليست طريقة علمية تنفذ إلى غور النصوص ومقاصدها ، ومعناه أيضاً: أن للنصوص باطناً وظاهراً يختلفان كما يقوله أهل الضلال.

التعقــيب العــاشر

من صفحة 32 إلى صفحة 47 يحاول أن يبرر مخالفة بعض الخلف لمنهج السلف باتساع بلاد الإسلام ودخول أجناس من البشر في دين الإسلام وهم يحملون ثقافات أجنبية وبتوسع مجالات الحياة المعيشية باختلاف الملابس والمباني والأواني والصناعات والأطعمة إلى غير ذلك مما ذكره من الكلام الطويل إلى أن قال في النهاية: فلو كانت اتجاهات السلف واجتهادهم هذه حجة لذاتها لا تحتاج هي بدورها إلى برهان أو مستند يدعماه لأنها برهان نفسها إذل لوجب أن تكون تلك النظرات (يعني نظرات السلف) المتباعدة المتناقضة كلها حقاً وصواباً ولوجب
المصير ودون أي تردد إلى رأي المصوبة( ) ولما احتاج أولئك السلف رضوان الله عليهم أن يلجئوا أخيرا من مشكلة هذا التناقض والاضطراب إلى منهج علمي يضبط حدود المصالح الخ ما قال.

ونحن نجيبه عن ذلك:

الجواب الأول: أن السلف لم يختلفوا في مسائل العقائد والإيمان ، وإنما اختلفوا في مسائل الاجتهاد الفرعية وليس ذلك اضطراباً وتناقضاً كما يقول ، وإنما هو اجتهاد يؤجرون عليه.

الجواب الثاني: أن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم أمرنا باتباعهم بقوله: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي} ، وقال عن الفرقة الناجية: {هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي} ، وأثنى الله على من اتبعهم ورضي عنه معهم فقال سبحانه: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار}.

والإمام مالك بن أنس رحمه الله يقول: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها..) فيجب اتباعهم والأخذ بأقوالهم لا سيما في العقيدة ؛ لأن قولهم حجة كما هو مقرر في الأصول.

التعقـــيب الحادي عشـــر

في صفحة 53-54 وصف الكوثري بأنه محقق ونقل كلاما له ذكر فيه أن عدة من أحبار اليهود ورهبان النصارى وموابذة المجوس بثوا بين أعراب الرواة من المسلمين أساطير وأخبارا في جانب الله فيها تجسيم وتشبيه وأن المهدي أمرعلماء الجدل من المتكلمين بتصنيف الكتب في الرد على الملحدين والزنادقة ( ) وأقاموا البراهين وأزالوا الشبه وخدموا الدين. هكذا وصف الكوثري رواة الإسلام بأنهم أعراب راجت عليهم أساطير اليهود والنصارى والمجوس ، وهذه الأساطير بزعمه هي الأخبار المتضمنة لأسماء الله وصفاته ؛ لأنها تفيد
التشبيه والتجسيم عنده ؛ وأثنى على علماء الكلام الذين ردوا هذه الروايات ووصفهم بالدفاع عن الإسلام والرد على الملحدين والزنادقة ، وأما علماء الكتاب والسنة فليس لهم دور عند الكوثري في الذب عن الإسلام والرد على الملاحدة والزنادقة ، وقد نقل الدكتور كلامه هذا مترضيا له ووصفه بالمحقق والله المستعان.

التعقــيب الثاني عشــر

في صفحة 63 يرى في فقرة (1) أنه يجب التأكد من صحة النصوص الواردة والمنقولة عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قرآنا كانت هذه النصوص أو سنة . ونقول له: أولاً: هل القرآن يحتاج إلى تأكد من صحته ، أليس هو متواتر توترا قطعيا. وإذا كان يريد بعض القراءات فلماذا لم يبين ويقيد كلامه بذلك.

ثانياً: هل القرآن من فم الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم كالسنة ، أو هو وحي كله لفظه ومعناه من الله تعالى والرسول مبلغ فقط ، إن كلامه هذا يوهم أن القرآن من كلام الرسول كالسنة وليس هو كلام الله تعالى.

التعقــيب الثالث عشــر

قال في صفحة 63 فقرة (ج): إنه يجب على الباحث عرض حصيلة تلك المعاني ( أي معاني النصوص الصحيحة) التي وقف عليها وتأكد منها على موازين المنطق والعقل لتمحيصها ومعرفة موقف العقل منها اهـ.

ونقول: هل للعقل موقف وسلطة مع النصوص الصحيحة ، هذا لم يقل به إلا المعتزلة ومن وافقهم ، أما أهل السنة فيسلمون لما صح عن الله ورسوله سواء أدركته عقولهم أم لا ، ولا سيما في نصوص الأسماء والصفات وقضايا العقيدة ، فإن العقول لا مجال لها في ذلك ؛ لأنه من أمور الغيب مع العلم أن الشرع لا يأتي بما تحيله العقول ، لكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول ولا تدرك كنهه.

التعقــيب الرابع عشــر

في صفحة 64 المقطع الثالث يستنكر تقسيم المسلمين إلى سلفيين وبدعيين ، وهذا رد للنصوص التي أخبرت عن افتراق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ، والتي أخبرت عن حدوث الاختلاف الكثير وحثت على التمسك بسنة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم وسنة الخلفاء الراشدين عند ذلك ، وكتابه كله يدور حول هذه النقطة وهو إنكار لما هو واقع من الانقسام والافتراق في هذه الأمة ، فهو إنكار للواقع المحسوس. وكان الأجدر به أن يحث المختلفين والمفترقين إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة بدلاً من أن يطمئنهم على ما هم عليه من فرقة ومخالفة وبأنهم على الحق..

التعقــيب الخامس عشــر

في صفحة 65-67 يشكك في صحة الاستدلال بالخبر الصحيح الذي لم يبلغ حد التواتر في الاعتقاد. فيقول: هذا القسم لا تتكون منه حجة ملزمة في نطاق الاعتقاد بحيث يقع الانسان في طائلة الكفر إن هو لم يجزم بمضمون خبر صحيح لم يرق إلى درجة المتواتر اهـ. ونقول: هذا كلام غير سليم ولا سديد ، فإن خبر الآحاد إذا صح عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وجب تصديقه والتسليم له والجزم بمضمونه في العقائد وغيرها ، وهذا القول الذي ذكره قول مبتدع في الإسلام. فإن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم كان يرسل رسله آحاداً ويقبل المرسل إليه خبرهم من غير توقف ولا تشكك في صحة ما جاؤا به وكذلك الصحابة وأتباعهم كانوا يتقبلون الأحاديث الصحيحة ويحتجون بها ولا يشكون في مضامينها في العقائد وغيرها ولا يوجد هذا التفريق في كلام السلف ، وإنما وجد في كلام بعض الخلف فهو مبتدع.

التعقــيب السادس عشــر

في صفحة 99 ذكر الدكتور البوطي: الأصول والأحكام التي لا مجال للاختلاف فيها ، وذكر منها اليقين بأن الله عز وجل واحد في ذاته وصفاته وأفعاله ، وهذا الذي ذكره لا يزيد على توحيد الربوبية الذي أقر به المشركون وجمهور الأمم ، فالإقرار واليقين به وحده لا يكفي حتى ينضاف إليه توحيد الألوهية وهو إفراد الله بالعبادة وترك عبادة ما سواه ، وهذا أيضاً أصل لا مجال للاختلاف فيه ، وقوله في هذه الصفحة في الفقرة رقم (4) عن صفات الله إنها قديمة قدم ذاته هذا ليس على إطلاقه إنما يقال في صفات الذات ، أما صفات
الأفعال كالاستواء والنزول والخلق والرزق فهي قديمة النوع حادثة الآحاد وكذا قوله عن كلام الله ، فهو قديم ليس على إطلاقه ، لأنه من صفات الأفعال فهو قديم النوع حادث الآحاد كغيره من صفات الأفعال ، وهذا التفصيل معروف عند أهل السنة والجماعة.

التعقـيب السابـع عشــر

قوله في صفحة 99: وكل ما قد وصف الله به ذاته أو أخبر به عنها مما يستلزم ظاهره التجسيد والتشبيه نثبته له كما قد أثبت ذلك لنفسه وننزهه عن التشبيه والنظير والتميز والتجسيد.

نقول: ليس في صفات الله ما يستلزم ظاهره التجسيد والتشبيه ، وإنما ذلك فهم فهمه بعض الجهال أو الضلال و لا ينسب ذلك إلى النصوص ؛ لأن لله صفات تخصه وتليق به لا تشبهها صفات خلقه ، ولا يدور هذا في ذهن المؤمن الصادق الإيمان ، وكلام الله وكلام رسوله ينزه عن أن يكون لازمه بطلاً.

التعقـيب الثــامن عشر

قوله في صفحة 101 في الفقرة (8): إن رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة لا تستلزم تحيزا في جهة معينة اهـ.

وأقول: نفي الجهة عن الله مطلقاً غير صحيح.. فإنه سبحانه في جهة العلو كما تواترت الأدلة على علوه على خلقه ، وإنما ينزه عن جهة غير العلو ، هذا مذهب أهل السنة والجماعة ، بخلاف الجهمية ومن سار على منهجهم في ذلك وغيره.

التعقيـب التـاسع عشـر

قوله في صفحة 101 ، 102 إن الشفاعة في حق كثير من العصاة والمذنبين ميزة ميز الله بها نبيه عن سائر الرسل..اهـ.

هذا كلام غير صحيح فإن الشفاعة في عصاة الموحدين ليست خاصة بنبينا صلَّى الله عليه وسلَّم ، بل ليست خاصة بالأنبياء ، وإنما الخاص به صلى الله عليه وسلم: (الشفاعة العظمى التي هي المقام المحمود).

التعقـيب العشــرون

قوله في صفحة 104 في المقطع الأخير: والإسلام يستتبع آثاره مستقلاً ومنفصلاً عن الإيمان في الدنيا اهـ.

هذا الكلام فيه نظر: فإن الإسلام الصحيح لا ينفصل عن الإيمان لا في الدنيا ولا في الآخرة ، فإن انفصل عنه فليس إسلاماً صحيحاً ، وإنما هو نفاق والمنافق لا يسمى مسلماً ، وإنما يسمى منافقاً كما سماه الله ورسوله ، ولا يلزم من معاملته معاملة المسلم في الدنيا أنه مسلم حقيقة لا في الدنيا ولا في الآخرة.

التعقــيب الحادي والعشــرون

قوله في صفحة 107: والقول بأن الإنسان يخلق أفعال نفسه وهو مذهب المعتزلة ليس مكفراً.

أقول: في نفي تكفيره نظر ؛ لأن من قال ذلك إن كان مع هذا ينكر علم الله في قول غلاة القدرية فهو كافر ، وإن كان لا ينكره وهو مقلد لغيره فهذا يضلل وإن كان غير مقلد ، فقد أنكر أحد أركان الإيمان وهو القدر على علم ، فكيف لا يكفر من هذه حاله ، وأيضاً هو قد أثبت لله شريكاً في خلقه وقد قال السلف عن هذا الصنف إنهم مجوس هذه الأمة.

التعقـيب الثـاني والعشــرون

ما ذكره في صفحة 111-112 من أن من أضفى صفات النبوة على علي بن أبي طالب وما يعتقده بعض المريدين في أشياخهم من العصمة وما قاله الإمام الخميني من أن لأئمتهم ما لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل ، أن هذه الأمور تعتبر شذوذات لا تستوجب كفر أصحابها وخروجهم من الملة وكرر ذلك أيضاً في أول صفحة
110 ، وقال في هامش صفحة 112 تعليقة رقم (1) سألت بعض الاخوة علماء الشيعة الإيرانيين الخ

نقول: إن عدم تكفير من يقول هذه المقالات واعتباره أخاً خطأ واضح ؛ لأنها من أسباب الردة الواضحة فكيف لا يكفرون بذلك.

التعقــيب الثـالث والعشرون

قوله في صفحة 114: ويقابل التعطيل التجسيم أو التشبيه وهو أن تترك هذه الآيات (أي آيات الصفات) على ظاهرها ويفهم منها المألوف في حياة المخلوقين والمحدثين ، فيفهم من اليد الجارحة التي خلقها الله فينا ، ويفهم من الإستواء معناه المتمثل في جلوس أحدنا على كرسيه أو سريره ، ويفهم من المجيء الحركة التي تتخطى حيزاً إلى غيره وهكذا. اهـ.

والجواب عن ذلك أن نقول:

أولاً: لا بد من ترك الآيات على ظاهرها فإنه حق مراد لله سبحانه ، وكون بعض الناس يفهم منها فهما سيئاً آفته من فهمه الخاطئ وليس ما فهمه هو ظاهرالآيات: وكم من عائب قولا صحيحا ***وآفته من الفهم السقيم

ثانياً: الآيات تدل على صفات حقيقية لله ، فله يد حقيقية تليق به ولا تشبه يد المخلوق ، والاستواء له معنى حقيقي فسره به السلف وأئمة السنة واللغة وهو العلو والارتفاع والاستقرار والصعود ، وكل هذه المعاني على ما يليق بالله لا كعلو المخلوق وارتفاعه واستقراره وصعوده ، تعالى الله عن ذلك ، وكذلك المجيء هو مجيء حقيقي على معناه في اللغة العربية ، وكذا الإتيان كما جاء الآيات الأخرى ، ولا يلزم منه مشابهة مجيء المخلوق وإتيانه ، والجارحة والحيز ألفاظ مجملة لم يرد نفيها ولا إثباتها في حق الله تعالى.

التعقـيب الرابع والعشــرون

في صفحة 118-119 ، أثنى على بعض المتصوفة وبعض مؤلفاتهم كالقشيري ، وهذا الثناء في غير محله ؛ لأن التصوف أصله مبتدع في الإسلام ودخيل عليه وقد تطور إلى أفكار إلحادية ، وما زال العلماء المحققون يحذرون منه ومن أصحابه وبالخصوص القشيري ، فإن لشيخ الإسلام ابن تيمية رد مفصل على رسالته وما
فيها من مخالفات وشطحات ، وفي الثناء عليه وعلى أمثاله تغرير بمن لا يعرف حقيقتهم.

التعقيب الخـامس والعشرون

تكلم عن صفات الله عز وجل من صفحة 132 حتى صفحة 144 ، وقد حصل في كلامه أخطاء كثيرة من أهمها:

1-اعتباره آيات الصفات من المتشابه ، هذا خطأ ؛ لأن آيات الصفات عند سلف الأمة وأئمتها من المحكم ولم يقل إنها من المتشابه إلا بعض المتأخرين الذين لا يحتج بقولهم ، ولا يعتبر بخلافهم.

2-ذكر أن آيات الصفات لها محملان:

المحمل الأول: أن تجري على ظهرها مع تنزيه الله عز وجل عن الشبيه والشريك ، وقال إن هذا تأويل إجمالي ؛ لأن ظاهرها ما هو من صفات المخلوقين..

والجواب: نقول له: ليس الأمر كما ذكرت فليس ظاهرها يدل على مشابهة صفات المخلوقين ، وإنما هذا وهم توهمته أنت وتوهمه غيرك وليس هو ظاهرها ؛ لأن ظاهرها هو ما يليق بجلال الله ، وصفات الخالق تختص به ، وصفات المخلوق تختص به . ثم قال: والمحمل الثاني: حملها على المعنى المجازي بأن يفسر الاستواء بالاستيلاء والتسلط ، واليد بالقوة .. انتهى كلامه.

الجواب : نقول له: لا يجوز حمل صفات الله عز وجل على المعنى المجازي ؛ لأن هذا تعطيل لها عن مدلولها ، بل يجب حملها على المعنى الحقيقي اللائق بالله ؛ لأن الأصل في الكلام الحقيقة ولا سيما كلام الله عز وجل ، ولا سيما ما يتعلق به وبأسمائه وصفاته ، ولا يجوز حمل الكلام على المجاز ، إلا عند تعذر حمله على الحقيقة ، وهذا ما لم يحصل في نصوص الصفات ، فليس هناك ما يوجب حملها على المجاز ، وكتبرير منه لهذا الباطل الذي ذكره نسب إلى بعض السلف تأويل بعض الصفات ، فنسب إلى الإمام أحمد تأويل {وجاء ربك} بمعنى جاء أمر ربك ، ونسب إلى الإمام البخاري تأويل الضحك بالرحمة ، ونسب إلى الإمام حماد بن زيد تأويل نزول الله إلى السماء الدنيا بإقباله جل جلاله إلى عباده:

والجواب أن نقول: أولاً: ما نسبه إلى الإمام أحمد لم يثبت عنه ولم يوثقه من كتبه أو كتب أصحابه ، وذكر البيهقي لذلك لا يعتمد ؛ لأن البيهقي رحمه الله عنده شيء من تأويل الصفات فلا يوثق بنقله في هذا الباب ؛ لأنه ربما يتساهل في النقل. والثابت المتيقن عن الإمام أحمد إثبات الصفات على حقيقتها وعدم تأويلها فلا يترك المعروف المتيقن عنه لشيء مظنون ونقل لم يثبت عنه ، وله رحمه الله رد على الجهمية والزنادقة في هذا الباب المشهور ومطبوع ومتداول.

ثانياً: وما نسبه إلى البخاري غير صحيح ، فقد راجعت صحيح البخاري فوجدته قد ذكر الحديث الذي أشار إليه الدكتور ( ) تحت الترجمة: {ويؤثرون على أنفسهم} ، ولم يذكر تأويل الضحك بالرحمة ، وإنما الذي أوله بالرضا هو الحافظ ابن حجر في الفتح ، والحافظ رحمه الله متأثر بمذهب الأشاعرة فلا عبرة بقوله في هذا.

ثالثاً: من نسبه إلى حماد بن زيد من تأويل النزول بالإقبال يجاب عنه من وجهين:

الوجه الأول: أن هذا لم يثبت عنه ؛ لأنه من رواية البيهقي ، والبيهقي رحمه الله يتأول بعض الصفات فربما تساهل في النقل ولو ثبت عن حماد هذا التأويل فهو مردود بما أجمع عليه السلف من إثبات النزول على حقيقته.

الوجه الثاني: أنه لا تنافي بين إثبات النزول على حقيقته وإقبال الله عز وجل على عباده فيقال ينزل ويقبل على عباده وليس في هذا حمل على المجاز كما يظن الدكتور.

 3- نسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره أنهم قد يفسرون الوجه بالجهة أو القبلة أو الذات ، وظن أن هذا تأويل للوجه الذي هو صفة من صفات الله عز وجل الذاتية، وهذا الظن منه خطأ واضح فهؤلاء الأئمة لم يقصدوا ما توهمه ؛ لأن الوجه لفظ مشترك ، تارة يراد به الوجه الذي هو الصفة الذاتية ، وتارة يراد به الدين والقصد ، وتارة يراد به الجهة والوجهة ، وسياق الكلام هو الذي يحدد المقصود في كل مكان بحسبه ، فإذا فسر الوجه في موضع بأحد هذه المعاني لدليل اقتضى ذلك من دلالة السياق أو غيره ، صح ذلك ولم يكن تأويلاً ، بل هو تفسير لذلك النص وبيان للمراد به ، وبما ذكرنا يتبين أن ما ذكره الدكتور من جواز حمل آيات الصفات وأحاديثها على المعنى المجازي وصرفها عن ظاهرها أنه قول غير صحيح وأنه لا مستند له فيما ذكره عن بعض السلف ، إما لأنه لم يصح عنهم أو لأنهم لم يقصدوا ما توهمه.

4 - اعتمد على تأويلات الخطابي لبعض الصفات وأشاد به ومدحه من أجل ذلك. والجواب عن ذلك: أن الخطابي رحمه الله ممن يتأولون الصفات فلا اعتبار بقوله ولا حجة برأيه وله تأويلات كثيرة والله يعفو عنا وعنه.

ثم العجيب في الأمر أن الدكتور تناقض مع نفسه حيث ذكر فيما سبق أنه يجبإثبات صفات الله كما جاءت مع تنزيه الله عن التشبيه والتمثيل كما في صفحة [99، 101 ، 113 ، 115] ، بينما نراه هنا يجيز تأويلها وحملها على المجاز.. هل هذا تراجع عما سبق أو هو التناقض؟

التعقــيب السادس والعشـرون

أنه في صفحة 138 ، يجيز مخالفة السلف في إثبات الصفات على حقيقتها فيقول: بل نفرض أن أحدا من رجال السلف رضوان الله عليهم لم يجز لنفسه أكثر من أن يثبت ما أثبته الله لذاته مع تفويض ما وراء ذلك من العلم والتفاصيل إلى الله عز وجل ، فإن ذلك لا يقوم حجة على حرمة مخالفتهم في موقفهم هذا حرمة مطلقة. انتهى كلامه.

ونقول يا سبحان الله ألا يسعنا ما وسع السلف ، أليست مخالفتهم وفيهم المهاجرون والأنصار والخلفاء الراشدون وبقية الصحابة رضي الله عنهم والقرون المفضلة أليست مخالفتهم لا سيما في العقيدة بدعة وكل بدعة ضلالة ، بدليل قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة} والله تعالى يقول: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه}. فشرط سبحانه في رضاه عمن جاء بعدهم اتباعهم للمهاجرين والأنصار بإحسان ، والدكتور يقول: لا تحرم مخالفتهم في صفات الله عز وجل ، ألم يخبر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنهم خير القرون؟ ومعنى هذا الحث على الاقتداء بهم والنهي عن مخالفتهم لا سيما في أصول الدين ، ثم هل تجوز المخالفة في أمور العقيدة؟ أليست العقيدة توقيفية لا مجال للاجتهاد والاختلاف فيها؟

التعقــيب السابـع والعشرون

في صفحة 146 المقطع الأخير ذكر أن من البدع القول بفناء النار وأن ذلك داخل بإجماع المسلمين في معنى البدعة.

وتعقيبنا عليه من وجهين:

الوجه الأول: أنه لم يحصل إجماع على تخطئة القول بفناء النار وعده من البدع كما زعم ، فالمسألة خلافية ، وإن كان الجمهور لا يرون القول بذلك ، لكنه لم يتم إجماع على إنكاره ، وإنما هو من المسائل الخلافية التي لا يبدع فيها.

الوجه الثاني: أن الذين قالوا بفنائها استدلوا بأدلة من القرآن والسنة ، وبقطع النظر عن صحة استدلالهم بها أو عدم صحته ، فإن هذا القول لا يعتبر من البدع ما دام أن أصحابه يستدلون له ؛ لأن البدع ما ليس لها دليل أصلاً ، غاية ما يقال أنه قول خطأ أو رأي غير صواب ، ولا يقال بدعة ، وليس قصدي الدفاع عن هذا القول ، ولكن قصدي بيان أنه ليس بدعة ، ولا ينطبق عليه ضابط البدعة ، وهو من المسائل الخلافية.

التعقــيب الثـامن والعشــرون

في صفحة 149 ، قال: وتفريق الباحث في مسألة القرآن بين ما فيه من المعاني النفسية والألفاظ المنطوق بها مع ما يلحق بها من حبر وورق وغلاف ، ليقول أن الأول (يعني المعاني النفسية) قديم غير مخلوق ، والثاني حادث مخلوق ، أيعد بدعة محظورة ؛ لأن هذا التفريق لم يعلم على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، ومن ثم يجب إطلاق القول بأن القرآن قديم غير مخلوق دون تفصيل ولا تفريق أم لا يعد بدعة ، وإنما هو شرح وبيان لما علمه الصحبة من قبل على وجه الإجمال ، ومن ثم فلا مانع لا سيما في مجال التعليم من هذا التفريق والتفصيل اهـ.

وتعقيبا عليه أقول كلامه هذا يتمشى مع مذهب الأشاعرة الذين يفرقون في كلام الله بين المعنى واللفظ ، فيقولون المعنى قائم بالنفس وهو قديم غير مخلوق وهذا هو كلام الله عندهم. وأما اللفظ فهو عندهم تعبير عن هذا المعنى من قبل جبريل أو النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وهو مخلوق ، وهذا تفريق باطل ( ) ، ومذهب أهل السنة سلفاً وخلفاً أن كلام الله تعالى هو اللفظ والمعنى وكلاهما غير مخلوق لأنه كلام الله تعالى وصفة من صفاته وغير مخلوقة ، وقوله: (إن الصحابة علموا هذا التفريق بين اللفظ والمعنى في كلام الله) هو تقوُّل على الصحابة ونسبة إليهم ما هم منه برءاء.

التعقــيب التــاسع والعشــرون

في صفحة 149 تساءل عن التوسل بجاه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعد وفاته أو بجاه من عرفوا بالصلاح والاستقامة بعد وفاتهم هل هو بدعة أو يقاس على التوسل به صلَّى الله عليه وسلَّم حال حياته وهو شيء ثابت دلت عليه الأحاديث الصحيحة ومن ثم فهو ليس من البدعة في شيء ولم يجب عن ذلك التساؤل بل ترك القارئ في حيرة والتباس.

وأقول:

أولاً: التوسل بالجاه ليس عليه دليل أصلاً لا في حياته ولا بعد موته ، فهو بدعة بلا شك.

ثانياً: أما التوسل بدعائه صلَّى الله عليه وسلَّم فهو جائز في حياته ؛ لأنه
يتمكن من الدعاء فيهل ، أما بعد وفاته فطلب الدعاء منه بدعة ولا يجوز ؛ لأنه لا يقدر على الدعاء ؛ ولأن الصحابة لم يفعلوا هذا معه بعد وفاته وإنما كانوا يفعلونه في حال حياته ولا تقاس حالة الحياة على حالة الموت لوجود الفوارق العظيمة بينهما عند جميع العقلاء ، وإنما يقيس هذا القياس المخرفون. وإن كان هو يزعم في صفحة 155 أن هذا التفريق لم يعرف إلا عن ابن تيمية وأن السلف لم يفرقوا ولم تفرق الأدلة بينهما وكأنه لم يقرأ ما ذكره العلماء في هذا الموضوع وما ذكره ابن تيمية في كتاب (التوسل والوسيلة) عن السلف والأئمة في ذلك ، أو أن تحامله عليه أنساه ذلك. ثم إنه نسب إلى السلف ما لم يقولوه وحمل الأدلة ما لا تتحمله ، ولم يأت بدليل واحد على ما قال وأنى له ذلك. والواجب أن الباحث أمثال الدكتور البوطي لا يخطئ شخصا ويتحامل عليه حتى يقرأ كلامه وينظر في مستنداته حتى يعرف هل هو مخطئ أو مصيب ،هذا هو الإنصاف والعدل ، ولا ننسى أن الدكتور البوطي له هنات في غير هذا الكتاب حول هذه المسألة قد قام بالرد عليها الشيخ محمد ناصر الدين الألباني حفظه الله. ثم إنه في صفحة 156 يهون من شأن هذه المسألة ويقول هي أقل من أن تصدع
المسلمين أو تجعل منهم مذهبين.

وأقول: كلا والله إنها لمسألة خطيرة تمس صميم العقيدة وتجر إلى الشرك فكيف
تكون هينة.

التعقــيب الثلاثــون

في صفحة 150 ، 157 أدخل تحت بدعة التزيد في العبادة الأذان الأول ليوم الجمعة الذي أمر به عثمان رضي الله عنه لما دعت الحاجة إليه ، وهذا منه خطأ واضح فإن عثمان رضي الله عنه من الخلفاء الراشدين ، وقد قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم : {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين} ففعله هذا يعتبر سنة لا بدعة وتزيد ، حاشاه من ذلك رضي الله عنه وأرضاه.. وهذا ينسينا ما قاله في حق شيخ الإسلام ابن تيمية أنه ابتدع التفريق بين حالة الحياة والموت ، إذ أن الخليفة الراشد عنده قد ابتدع وتزيد في الدين.

التعقــيب الواحد والثلاثــون

في صفحة 160 خلط بين علم الكلام والفلسفة وانتقد شيخ الإسلام ابن تيمية حيث أجاز مناظرة المتكلمين بمثل مصطلحاتهم مع أنه ينكر على الغزالي انشغاله بالفلسفة ، وكأنه لا يدري أن علم الكلام غير الفلسفة وأن بينهما فرقاً واضحاً ( ) ، وقد انتقد شيخ الإسلام أيضاً في صفحة 162 ، ذ63 من ناحية أنه يحذر من الإقبال على علم الكلام والمنطق وهو قد تضلع فيهما وناظر بهما

والجواب عن ذلك: أنه رحمه الله يحذر من الاشتغال بذلك من هم على غير مستوى علمي جيد يمكنهم من التخلص من أضرار علم الكلام ؛ ولأن ذلك يشغل عن تعلم الكتاب والسنة ، فأي انتقاد يوجه إليه في ذلك إلا من صاحب هوى وحقد ، ثم إن الشيخ رحمه الله لا ينكر على من تعلم علم الكلام والمنطق من أجل الرد على
المضللين وقتلهم بسلاحهم وإنما ينكر على من تعلمها بغير هذا القصد.

التعقــيب الثـاني والثلاثــون

من صفحة 164 حتى صفحة 188 شن هجوماً مسلحاً على شيخ الإسلام ابن تيمية واتهمه أنه قال بقول الفلاسفة حينما قال: إن الحوادث قديمة النوع حادثة الآحاد.

وهذه المسألة قد شنع بها خصوم شيخ الإسلام ابن تيمية عليه قديماً وحديثاً وقالوا: إنه يقول بحوادث لا أول لها ، والدكتور في هذا الكتاب اتخذ من هذه المسألة متنفساً ينفث من خلاله ما في صدره من حقد على شيخ الإسلام ابن تيمية ؛ لأنه شيخ السلفيين الذين يضايقونه في هذا الزمان ، ولكن والحمد لله ليس له في هذه المسألة ولا للذين سبقوه أي مدخل على الشيخ وسيرده الله بغيظه لم ينل خيراً كما رد الذين من قبله ، فإن مراد الشيخ رحمه الله أن أفعال الله سبحانه ليس لها بداية ؛ لأنه الأول الذي ليس قبله شيء ، قال رحمه الله:
والتسلسل الواجب ما دل عليه الشرع من دوام أفعال الرب تعالى في الأبد فكل فعل مسبوق بفعل آخر فهذا واجب في كلامه فإنه لم يزل متكلماً إذا شاء ولم تحدث له صفة الكلام في وقت ، وهكذا أفعاله هي من لوازم حياته فإن كل حي فَعَّال ، والفرق بين الحي والميت الفعل ، ولم يكن ربنا تعالى قط في وقت من الأوقات معطلاً عن كماله من الكلام والإرادة والفعل. إلى أن قال : ولا يلزم من هذا أنه لم يزل الخلق معه فإنه سبحانه متقدم على كل فرد من مخلوقاته تقدماً لا أول له ، فلكل مخلوق أول والخالق سبحانه لا أول له فهو وحده الخالق وكل ما سواه مخلوق كائن بعد أن لم يكن. إلى أن قال: والمقصود أن الذي دل عليه لشرع والعقل أن كل ما سوى الله تعالى محدث كائن بعد أن لم يكن.

أما كون الرب تعالى لم يزل معطلا عن الفعل ثم فعل فليس في الشرع ولا في العقل ما يثبته بل كلاهما يدل على نقيضه.

هذه خلاصة ما يراه الشيخ في هذه المسألة وهل في ذلك ما يشنع به عليه كما يظنه الدكتور وأضرابه. لولا أنه الهوى والحقد أو الجهل والغفلة ، فإن بين ما قاله الشيخ في هذه المسألة وبين قول الفلاسفة فروقاً واضحة هي الفروق بين الحق والباطل والكفر والإيمان.

التعقــيب الثالـث والثلاثــون

في صفحة 191- 192 يؤيد عقد حلقات الصوفية التي يسمونها (حلق الذكر) ويزعم أنه ليس هناك ما يمنع من إقامتها ويقول: إن الذكر مشروع.. ، ونحن نجيبه عن ذلك ونقول له: الذكر لا شك أنه مشروع لكن على الصفة الواردة في الكتاب والسنة ، أما إحداث هيئة للذكر لا دليل عليها كالذكر الجماعي أو الأوراد الصوفية التي ليس عليها دليل أو ربما يشوبها شيء من الألفاظ الشركية فهذه لا شك أنها بدعة ، وأن الذين يقيمونها مبتدعة داخلون في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم : {من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد} والشيء قد يكون مشروعا في أصله
لكن الصفة التي يؤدى بها إذا لم يكن عليها دليل فهي بدعة ، وقد أنكر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على الذين يجتمعون في مسجد الكوفة وفيهم رجل يقول: سبحوا مائة كبروا مائة هللوا مائة ؛ لأن هذه الصفة ليست من سنة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم.

التعقــيب الرابـع والثلاثــون

في صفحة 193 195 ، شنع على الذين ينكرون ذكر الله بالاسم المفرد (الله) ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية ، فإنه وجه إليه قذائف غضبه ولم يصغ إلى حجج المذكورين ومنها أن ذكر الله بالاسم المفرد لم يرد في الكتاب ولا في السنة ولا في هدي السلف الصالح علاوة على أنه لا يفيد شيئاً ، لأن الاسم المفرد لا يأتي بفائدة حتى يتركب مع جملة مفيدة ، وما يزعمه الدكتور أن ذكر الله بالاسم المفرد يدخل في قوله تعالى: { واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا} فنحن نسأله ونريد منه الصدق في الجواب دون مرواغة: هل ورد في سنة من أمره الله بهذا الأمر وهو الرسول صلّى الله عليه وسلَّم أنه ذكر الله بالاسم المفرد إذ لا شك أن سنته تفسر القرآن ، أو أن هذا من محدثات الصوفية وفهمهم السقيم ، وكثيرا ما يكرر الدكتور أن المخالف في هذه المسألة وغيرها لا يضلل ، ونحن نقول له: إن المخالف لا يضلل إذا كان لمخالفته مأخذ من النصوص الشرعية ، أما إذا كانت مخالفته ليس لها مأخذ من الكتاب والسنة فإنه يضلل ؛ لأن الله تعالى يقول: {فماذا بعد الحق إلا الضلال} وما دل عليه كتاب الله حق وما خالفه فهو ضلال يضلل من قال به.

التعقــيب الخامس والثلاثــون

في صفحة 196-197 يبرر اصطلاحات الصوفية التي منها تفريقهم بين الشريعة والحقيقة ، ولم يجد دليلا والحمد لله لهذا التبرير إلا أن ذلك قول كبار الصوفية كسهل التستري والحارث المحاسبي والجنيد وهذا لا أظنه معهم وإن حشر معهم ومعروف الكرخي ، فهو بهذا الاستدلال كمن فسر الماء بعد الجهد بالماء ( ) ، ثم هل هناك حقيقة تخالف الشريعة حتى يقال الحقيقة والشريعة إلا في اصطلاح الصوفية أن الشريعة للعوام والحقيقة للخواص ، وهذا إلحاد واضح ، وليت الدكتور لم يدخل هذه المجاهل المخيفة.

التعقــيب الســادس والثلاثــون

في صفحة 201 حتى 212 تحدث عن الصوفية وأحوالهم وأقوالهم وحاول الدفاع عنهم بكل ما أوتي من قوة والاعتذار لهم بكل ما استطاع من عبارة حتى عمن قال منهم : (ما في الجبة إلا الله) وعمن قال منهم: (ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك) ورغم ما تحمله هاتان العبارتان من كفر وضلال حاول تأويلهما بها لا
داعي للإطالة بذكره ؛ لأن هاتين العبارتين تنبئان عن نفسهما ولا تقبلان التأويل ؛ فإن قول القائل: (ما في الجبة إلا الله) صريح في الحلول أو الاتحاد ، وقوله: (ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك) مخالف لهدي
الأنبياء جميعاً حيث وصفهم الله بأنهم يدعونه رغباً ورهباً ، ومخالف لصفة المؤمنين الذين يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ، ولا يعني هذا أنهم لا يعبدونه إلا من أجل الخوف والطمع فقط ، بل هم مع ذلك يحبونه حباً شديداً ويذلون له كما قال تعالى : { والذين آمنوا أشد حباً لله} ، وقال تعالى {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} ولا تصح العبادة إلا باستكمال هذه الأركان: المحبة والذل والخوف ، والرجاء.

ثم حاول الدفاع عن ابن عربي وما في كتبه من القول بوحدة الوجود ، ففي هامش صفحة 104 105 قال: إنه لا يجوز تكفيره بموجب كلامه الذي فيه الإلحاد الصريح حتى يعلم ما في قلبه هل يعتقد ما يقول أولاً اهـ.

ولو صح قول الدكتور هذا ما كفر أحد بأي قول أو فعل مهما بلغ من القبح والشناعة والكفر والإلحاد حتى يشق عن قلبه ويعلم ما فيه من اعتقاد ، وعلى هذا فعمل المسلمين على قتال الكفرة وقتل المرتدين خطأ على لازم قول الدكتور ؛ لأنهم لم يعلموا ما في قلوبهم وهل هم يعتقدون ما يقولون وما يفعلون من الكفر أولاً..

واسمع عبارته في ذلك حيث يقول: وخلاصة المشكلة أنه (يعني شيخ الإسلام ابن تيمية) ومن يقلده في نهجه يظلون يآخذون ابن عربي وأمثاله بلازم أقوالهم دون أن يحملوا أنفسهم على التأكد من أنهم يعتقدون ( ) فعلاً ذلك اللازم الذي تصوره. ثم قال: أما أن يكون في كتب ابن عربي كلام كثير يخالف العقيدة الصحيحة ويوجب الكفر فهذا ما لا ريبة فيه ولا نقاش فيه ، وأما أن يدل ذلك دلالة قاطعة على أن ابن عربي كافر وأنه ينطلق في فهم الشهود الذاتي من أصل كفري هو نظرية الفيض ، فهذا ما لا يملك ابن تيمية ولا غيره أي دليل قاطع عليه. انتهى.

وإنما سقت هذا المقطع من كلامه لإطلاع القارئ على ما فيه من تخبط وتناقض ومناقضة لأدلة الكتاب والسنة وعمل المسلمين على كفر من قال كلمة الكفر غير مكره قال تعالى : {ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم} ويلزم من هذا أيضاً أنه لا يحكم بإسلام كافر ، إذا نطق بالشهادتين حتى يعلم ما في قلبه هل يعتقدها أو لا ولوازم هذا كثيرة ، ويلزم عليه أن من دعا غير الله لا يكفر حتى يعلم ما في قلبه ، ثم اعتذر عن ابن عربي بأن في كتبه كلاماً آخر يناقض كلامه الكفري ، ونحن نقول له إجابة عن ذلك: هل ثبت لديك أنه رجع عن كلامه
الكفري وأنه كتب هذا الكلام الذي يناقضه بعد ما تاب أو أنه كتبه من باب التغطية والتلبيس ، ثم أنت لم تأت بشاهد على ما قلت من كلامه.

ثم قال: وإذا أبى ابن تيمية رحمه الله إلا أن يحملنا على تكفير ابن عربي استدلالاً بالكفريات الموجودة في كلامه والإعراض عن الصفحات الطوال التي تناقضها وترد عليها في مختلف كتبه وأقواله فإنها لدعوة منه بلا ريب إلى أن نكفره هو الآخر استدلالاً بالضلالات الفلسفية التي انزلق فيها ، ويعني بذلك المسألة التي سبق ذكرها وهي قول الشيخ: إن أفعال الله سبحانه ليس لها بداية .

ونقول: يا سبحان الله هل وصف الرب بما يستحقه من الكمال بدوام أفعاله وكماله أزلا وأبدا وتنزيهه عن التعطيل الذي وصفه به أهل الضلال من قولهم: (إنه تعالى الله عما يقولون مضى عليه وقت لم يفعل شيئاً ثم حدث له الفعل بعد ذلك) هل هذا هو قول الفلاسفة الذين يقولون بقدم العالم وإنكار الخالق؟ إن الضلال هو قول من يعطل الله من أفعاله ويضرب له مدة لا يفعل فيها شيئاً كما هو قول علماء الكلام.

وإن قول ابن تيمية هو الحق وقول أهل الحق ، وأين خطؤه لو كان خطأ على فرض من كفريات ابن عربي وقوله بوحدة الوجود وأن من عبد الأصنام ما عبد إلا الله ، ثم إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لم ينفرد بتكفير ابن عربي بل قد كفره كثير من العلماء حتى من الصوفية ، واقرأ مؤلفاتهم في ذلك منها كتاب: (تنبيه الغبي إلى تكفير ابن العربي) للبقاعي وغيره من الكتب ، وللشيخ تقي الدين الفاسي رسالة مستقلة في تكفير ابن عربي وذكر من قال بذلك من العلماء وهي مطبوعة ومتداولة ، فإذا كان بإمكان البوطي أن يكفرهم فليفعل.

التعقــيب الســابع والثلاثــون

في صفحة 236 كتب عنوانا بلفظ: (التمذهب بالسلفية بدعة) وهذا الكلام يثير الدهشة والاستغراب ، كيف يكون التمذهب بالسلفية بدعة والبدعة ضلالة؟ وكيف يكون بدعة وهو اتباع لمذهب السلف ، واتباع مذهبهم واجب بالكتاب والسنة وحق وهدى؟ قال تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم
بإحسان رضي الله عنهم} الآية..

وقال النبي صلّى الله عليه وسلَّم: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين} الحديث ، فالتمذهب بمذهب السلف سنة وليس بدعة ، وإنما البدعة التمذهب بغير مذهبهم.

وإذا كان قصده أن التسمي بهذا الاسم حادث كما يظهر من كلامه ولم يكن معروفاً من قبل فهو بدعة بهذا الاعتبار فمسألة الأسماء أمرها سهل والخطأ فيها لا يصل إلى حد البدعة ، وإن كان قصده أن في الذين تسموا بهذا الاسم من صدرت عنهم أخطاء تخالف مذهب السلف فعليه أن يبين هذا دون أن يتناول السلفية نفسها ، فالتسمي بالسلفية إذا كان يعني التمسك بمذهب السلف ونبذ البدع والخرافات فهذا شيء محمود وطيب كما قرر هذا هو في صفحة 233 حيث قال عن حركة جمال الدين الأفغاني وحمد عبده وتسميتها بالسلفية: فقد كان الشعار الذي رفعه أقطاب هذه الحركة الإصلاحية هو السلفية وكان يعني الدعوة إلى نبذ كل هذه الرواسب التي عكرت على الإسلام طهره وصفاءه.

هذا ما قاله عن تلك الحركة وتسميها بالسلفية ولم يعب عليها هذا التسمي نظرا لسلامة أهدافها ، فنقول له: وهل السلفية اليوم تعني غير ذلك؟

التعقــيب الثــامن والثلاثــون

وفي صفحة 236 237 عبر عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بالمذهب الوهابي وقال إن الوهابية تبرموا من هذه الكلمة ؛ لأنها توحي بأن ينبوع هذا المذهب بكل ما تضمنه من مزايا وخصائص يقف عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، فدعاهم ذلك إلى أن يستبدلوا بكلمة الوهابية هذه كلمة السلفيةالخ ما قال..

والجواب أن نقول: إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليس له مذهب خاص به يدعى بالوهابية ؛ لأنه في العقيدة على منهج السلف وفي الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل الذي كان عليه علماء نجد من قبله وفي عصره ومن بعده ، وأتباعه لم يتسموا بالسلفية وإنما يدعون إلى التمسك بمذهب السف ويسيرون عليه بدون تسمية ؛ لأن العبرة بالحقائق لا بالأسماء ؛ ولأن التسمي بذلك فيه تزكية للنفس وهم لا يزكون أنفسهم ، وأنا أطلب من الدكتور البوطي أن يأتي بما يدل على ما ادَّعاه عليهم من كتبهم ومقالاتهم أنهم سموا أنفسهم بالسلفية ، كما أطالبه أن يأتي بما يثبت أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب أتى بمذهبه جديد ينسب إليه ، وإذا لم يأت ولن يأتي بذلك فإنه مفتر على الشيخ وعلى اتباعه والله يجزي المفترين.

التعقــيب التــاسع والثلاثــون

في صفحة 239-240 تكلم عن زيارة القبر النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام فقال: ولكم اتهمنا واتهم كثير من المسلمين من أهل السنة والجماعة بالابتداع والمروق لأننا ذهبنا إلى ما ذهب إليه الجمهور من علماء السلف وغيرهم من أنه لا ضير في أن يعزم الرجل على زيارة كل من قبر النبي صلى الله عليه وسلم
ومسجده-كذا قال-،والجواب أن نقول:إن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم من غير سفر سنة وليست بدعة، ولم يقل أحد إنها كانت على هذه الصفة بدعة ومروق، أما السفر لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم فهو بدعة، لأنه لا يجوز السفر لأجل زيارة القبور لا قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا قبر غيره من الأولياء والصالحين أو الأقارب،لقوله صلى الله عليه وسلم{لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى}، وعملاً بهذا الحديث لم يكن السلف والأئمة الأربعة وغيرهم من الأئمة المقتدى بهم يسافرون من أجل زيارة القبور، وقد أوغل الدكتور في الخطأ حين ادعى أن مذهب الجمهور من علماء السلف وغيرهم أنه لا ضير في أن يعزم الرجل على هذا ، فإن كان قصده العزم على السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فعلماء السلف ينهون عما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم من السفر لزيارة القبور عموماً ، قبر النبي صلى الله عليه وسلم وغيره ، ثم إن الدكتور خطَّأ شيخ الإسلام ابن تيمية في استدلاله بالحديث المذكور على منع السفر لزيارة القبور وسماه غلطاً عجيباً انزلق فيه الشيخ حيث قال: ويترتب على هذا الغلط العجيب الذي انزلق فيه ابن تيمية رحمه الله أن الإنسان لا يجوز له أن يشد الرحل إلى زيارة رحم أو إلى
طلب علم أو انتجاع رزق ؛ لأن هذه الأشياء كلها خارج المساجد الثلاثة ، ونحن نقول له : بل الغلط العجيب ما انزلق إليه فهم الدكتور ؛ لأن الحديث الشريف يعني منع السفر إلى بقاع مخصوصة لأجل التعبد فيها أو عندها غير المساجد الثلاثة ، سواء كانت هذه البقاع مساجد أو قبور أو غيرها.

أما السفر لزيارة الرحم أو طلب العلم أو طلب الرزق فلم يدخل في مدلول الحديث أصلاً.

التعقــيب الأربعــون

في صفحة 241 قال عن سبب صبر الإمام على تحمل محنة القول بخلق القرآن: (وإنما كان سبب المحنة التي تعرض لها الإمام دون غيره هو ورعه الشديد الذي منعه أن يفصل ويفرق بين اللفظ والمعنى)..

والجواب نقول له: أولاً:لم يكن الإمام أحمد وحده الذي تعرض لهذه المحنة بل شاركه في ذلك خلق كثير من العلماء منهم من قتل في ذلك ومنهم من عذب وأوذي ، لكن يظهر أن الدكتور لم يقرأ التاريخ.

ثانياً: ليس هناك تفريق بين معنى القرآن ولفظه ، وكلاهما كلام الله منزل غير مخلوق ، والتفريق بينهما بأن يقال المعنى غير مخلوق واللفظ مخلوق: هذا قول المبتدعة لا قول أهل السنة فالإمام أحمد لم يفرق بينهما ؛ لأنه كغيره من الأئمة لا يرى فرقاً بينهما ولا يعتقد عقيدة الأشاعرة.

التعقــيب الواحـد و الأربعـون وهو الأخير

في صفحة256 - 257 استنكر الرد على كتاب الذخائر المحمدية لمحمد علوي مالكي ما فيه من الضلالات ، وقال: إن محمد علوي من أهل السنة والجماعة ولم يقرأ الناس في تآليفه وكتاباته ولم يروا من واقع حاله إلا ما يزيدهم ثقة باستقامة دينه وصلاح حاله وسلامة عقيدته.

والجواب أن نقول له: الواجب عليك أن تنظر محتويات كتب هذا الرجل وتعرضها على الكتاب والسنة وعلى عقيدة السلف لتعرف مدى مطابقتها أو مخالفتها لهذه الأصول ولا تعتمد على قراءة الناس وإنما تنظر أنت هل المعترض عليه مصيب أو مخطئ ، هذا ما يتطلبه الباحث المنصف الذي يحترم ما يقول ويكتب ، دون التهجم على من اعترض على علوي قبل معرفة وجهة اعتراضه ، ثم كون الرجل من أهل السنة والجماعة ومن أهل الاستقامة هل ذلك يمنع من الاعتراض عليه إذا أخطأ؟.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق