الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد :
فلا يشك عاقل ـ على مدار التاريخ الإسلاميّ ـ أنّ الرافضة
ـ المسمّون بالشيعة ـ من أسوإ الفرق وأخطرها على أمة الإسلام العظيمة ، لذا كان التحذير
من خطر أفكارها ومعتقداتها واجبا شرعيا يمليه علينا انتسابنا للدعوة السّلفيّة المباركة
خصوصا ونحن في بلادنا ـ الجزائر ـ قد بدأ التغلغل الرافضي الصفوي بطرق ماكرة خفية استغلالا
من هؤلاء لحبّ أهل بلدنا لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وتعلّقهم الشديد بهم ـ رضي
الله عنهم وعن الصحابة أجمعين ـ ، كما أنّ هؤلاء استغلوا وقوف بلادنا إلى جانب قضايا
المسلمين كقضية فلسطين فراحوا يستخدمون عاطفة أهلنا الأبيّة من أجل تمرير بعض من معتقداتهم
الفاسدة الكاسدة .
فأردت أن أسهم بالكتابة في هذا الموضوع ( من غير أن ننسى
جهود علمائنا ومشايخنا وعلى رأسهم الشيخ الفاضل ربيع المدخلي ـ سدده الله ـ في تحذيره
المشهور الموجّه لأهل الجزائر وكذا ما كتبه المشايخ الكرام في مجلة الإصلاح الغرّاء
) بالتركيز على جهود طائفة من علماء الأمة ـ وهم المالكية ـ لثلاثة أسباب :
1- لانتشار هذا المذهب الفقهي في بلاد المغرب العربي عموما
وفي الجزائر خصوصا .
2- لأنّ الإمام مالكا ـ رحمه الله ـ وعموم المتمذهبين بمذهبه
ـ ممن ساروا على نهجه ـ من أشدّ الناس على هؤلاء المبتدعة المارقين .
3- لأنّ بعض أهل بلدنا لم يتعظ بالتجارب حيث ما يزال يسعى
للتقريب مع هؤلاء رغم أنّ من كان بالأمس يدعو إلى ذلك قد عاد اليوم ليحذرّ من التغلغل
الشيعي في بلاد المسلمين .
وقبل أن أبرز موقف وجهود أئمة المالكية في ذم الروافض والتنكيل
بهم لا بدّ أن أذكر ـ ولو اختصارا ـ موقف إمام دار الهجرة : مالك بن أنس ـ رحمه الله
ـ من هؤلاء ,
فقد وردت عنه عدّة أقوال تدلّ بجلاء على أنّ إمامنا كان من
أشدّ الأئمة تحذيرا من هؤلاء، فمن ذلك ما ذكره أشهب بن عبد العزيز : سئل مالك عن الرافضة
؟ فقال :" لا تكلّمهم ولا ترو عنهم فإنّهم يكذبون " ([1]) .
وسُئل ـ رحمه الله ـ عن أشرّ الطوائف ؟ فقال:" الروافض
" ([2]) .
ونقل عنه الإمام أحمد قوله :" الذي يشتم أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم ليس له سهم ـ أو قال ـ : نصيب في الإسلام ([3]) .
إلى غير ذلكم من الأقوال المتكاثرة التي أعرضت عن ذكرها لعدم
الإطالة في ذلك .
وبعد هذا دعونا نطلّ على شيء من المواقف المشرّفة لأئمة المالكية
في هؤلاء المبتدعة الهالكين :
وفي طليعة هذه المواقف نجد موقف الفقهاء المالكية المعاصرين
لدولة العبيدين الذين سمّوا أنفسهم ـ زورا وبهتانا ـ بالفاطميين ([4])، حيث إنّهم تغلّبوا
على بلاد إفريقية ( تونس حاليا ) فأظهروا تشيّعهم الغالي وزندقتهم المبطّنة ، ولندع
القاضي عياضا ـ رحمه الله ـ
يصور لنا هذه الحالة إذ يقول : " كان أهل السنة بالقيروان
أيام بني عبيد في حالة شديدة من الاهتضام والتستر كأنهم ذمة ، تجري عليهم في أكثر الأيام
محن شديدة ، ولما أظهر بنو عبيد أمرهم ونصبوا حسينا الأعمى السباب لعنه الله في الأسواق
للسب بأسجاع لُقّنها يُتوصل منها إلى سبّ النبي صلى الله عليه وسلم في ألفاظ حفظها
،كقوله ـ لعنه الله ـ : العنوا الغار وما حوى والكساء وما حوى وغير ذلك ، وعُلّقت رؤوس
الحمر والكباش على أبواب الحوانيت عليها قراطيس معلقة مكتوبة فيها أسماء الصحابة ،
اشتدّ الأمر على أهل السنة فمن تكلم أو تحرّك قُتل أو مُثّل به ، وذلك في أيام الثالث
من بني عبيد وهو إسماعيل الملقب بالمنصور سنة إحدى وثلاثين وثلاثمئة " ([5])
.
وقال أيضا : "وضرب النفطي قاضي الشيعة محمدا هذا
([6]) في جميع القيروان عريانا وصفع قفاه حتى سال الدم من رأسه ، وبرّح عليه في الأسواق
، وأطافه عريانا على حمار ، إذ رُفع عنه أنه كان يفتي بمذهب مالك ويطعن على السلطان
، ثم حُبس " ([7])
وبعد الوصف الرهيب للحالة المزرية زمن هؤلاء الروافض ، هذه
ـ إجمالا وتفصيلا ـ بعض المواقف والجهود لأئمة ذاك الزمان :
إجمالا : وقع الاتفاق بين علماء المالكية في ذاك العصر على
عداوة العبيدين وتكفيرهم بل وجهادهم عند القدرة ، يقول الحافظ الذهبي رحمه الله :
" وقد أجمع علماء المغرب على محاربة آل عبيد لما شهروه من الكفر الصراح الذي لا
حيلة فيه ، وقد رأيت في ذلك تواريخ عدة يصدق بعضها بعضا " ([8])
ونقل القاضي عياض عن بعض العلماء قوله :" أجمع علماء
القيروان أبو محمد، وأبو الحسن القابسي، وأبو القاسم ابن شبلون، وأبو علي بن خلدون،
وأبو بكر الطبني، وأبو بكر بن عذرة: أن حال بني عبيد، حال المرتدين والزنادقة، بما
أظهروه من خلاف الشريعة، فلا يورثون بالإجماع، وحال الزنادقة بما أخفوه من التعطيل.
فيقتلون بالزندقة، قالوا: ولا يقدر أحد بالإكراه على الدخول في مذهبهم، بخلاف سائر
أنواع الكفر. لأنه أقام بعد علمه بكفرهم " ([9])
* ولهذا لم يدّخر هؤلاء الأئمة جهدا في السعي إلى الإطاحة
بهؤلاء من حكم القيروان حتى إنّهم تحالفوا مع الخوارج ـ وهم مبتدعة عندهم وعند سائر
الأئمة ـ لأنّ الخوارج أهون شرا من الروافض .
قال الفقيه المؤرخ أبو بكر عبد الله المالكي ـ في ترجمة الإمام
المَمْسى ـ ([10]):" رأى رضي الله عنه أن الخروج مع أبي يزيد الخارجي وقطع دولة
بني عبيد فرض لازم ، لأن الخوارج من أهل القبلة لا يزول عنهم اسم الإسلام ويورَثون
ويرثون ، وبنو عبيد ليسوا كذلك لأنهم مجوس زال عنهم اسم الإسلام فلا يتوارث معهم ولا
ينسب إليهم " ([11]) .
وجاء في ترجمة السِّبائي ([12]) :" قال أبو إسحاق ـ
أي السِّبائي ـ : كنا بمناخ أنا والمَمْسى وربيع القطان ومروان وأبو العرب وجماعة إذ
خرج علينا أبو يزيد فقال : بايعوني فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخرج إلى غزاة
ولا بعث حتى يجدد البيعة في أعناق أصحابه ، فسكتوا بأسرهم ، فقال أبو إسحاق : نعم نبايعك
على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومذهب مالك قال فإن لم ؟ فقلت : فأنت
رجل من أهل القبلة توحد الله خرجت لجهاد أعداء الله فخرجنا ننصرك عليهم "
([13]) .
وذكر القاضي عياض في ترجمة الإمام محمد بن علي النابلسي المالكي
:" وكان شديداً على بني عبيد، حين ملكوا مصر والشام، ذامّاً لهم، منفراً للعامة
عنهم. قائلاً لهم. قال ابن سعدون: وكان شيخاً صالحاً. قال أبو إسحاق الرقيق في تاريخه:
هو رجل معروف بالعلم، وكان يفتي في المحافل، باستحلال دم من أتى من المغرب. ويستفز
الناس لقتالهم ـ يريد بني عبيد ـ قال: وكان أغلظ عليهم من القرامطة ... وإنما سلك في
هذا، مسلك شيوخ القيروان في خروجهم عليهم، مع أبي يزيد، لاعتقادهم كفر بني عبيد قطعاً.
وقالوا لأبي يزيد: أنت رجل من أهل القبلة، نقاتل بك، من كفر بالله ورسوله "
([14]) .
تفصيلا :
ـ مالك الصغير : الإمام ابن أبي زيد القيرواني ـ رحمه الله
ـ [15]
تقدّم قبل قليل ذكر مذهبه واعتقاده ـ مع أقرانه ومشايخه ـ
، ويزاد على ذلك ما قرّره ـ رحمه الله ـ في مقدمة الرسالة والجامع ، حيث قال ـ رحمه
الله ـ :" وأن لا يُذكر أحد من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بأحسن ذكر
، والإمساك عما شجر بينهم ، وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج ويظن بهم أحسن
المذاهب " ([16])
وساق في مقدمة كتابه الجامع بعض الأدلة على ذلك ([17])
وحكى عن الإمام سُحنون ([18]) قوله : "من قال في أبي
بكر وعمر وعثمان وعليّ أنهم كانوا على ضلالة وكفر قُتل ، ومن شتم غيرهم من الصحابـة
بمثل ذلك نُكّل النكال الشديد " ([19])
ـ الشيخ ابن التبان ـ رحمه الله ـ ([20]).
قال عنه القاضي عياض : " كان أبو محمد شديد البغض لهم
والتشهير عليهم ، قال بعض أصحابه : كنت معه يوما بالمنستير يوم عاشوراء وفيه تلك السنة
من الناس عالم حزر فيهم سبعون ألفا ، فلما رآى جمعهم بكى ، فقيل له ما يبكيك ؟ فقال
: والله ما أخشى عليهم من الذنوب لأن مولاهم كريم ، وإنما أخشى أن يشكوا في كفر بني
عبيد فيدخلوا النار ... وكان كثيراً ما يقول: اللهم العنهم، ما أقام أمرهم، وما صرفه،
وعلّق اللعنة عليهم، كتعليق القلائد في أعناق الولائد " ([21]) .
ـ الشيخ ربيع القطان ـ رحمه الله ـ ([22]) .
كان ـ رحمه الله ـ قد جعل على نفسه ألا يشبع من طعام ولا
نوم حتى يقطع الله دولة بني عبيد ، وقد قُتل رحمه الله بعد خروجه مع أبي يزيد لغزو
هؤلاء ([23])
وأخيرا ،،، هذا جزء مشرق أنور من جهود هؤلاء العلماء الأفاضل
في نصرة السنة النبوية ودحض الفرقة الرديّة من الرافضة الشيعة بمختلف مذاهبها وفرقها
، والحمد لله أولا وآخرا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
([1])رواه أبو حاتم الرازي كما في منهاج السنة النبوية في
نقض كلام الشيعة القدرية لشيخ الإسلام ابن تيمية 1/59-60 .
([2])أورده المقري التلمساني في نفح الطيب من غصن الأندلس
الرطيب 5/ 307 .
([3])رواه الخلال في السنة 1/389 برقم 779 .
([4])انظر عن هذه الدولة المارقة : البيان المغرب في أخبار
الأندلس والمغرب لابن عذاري المراكشي 1/24 ، العبر في أخبار من ذهب للحافظ الذهبي
2/16 ، تاريخ ابن الوردي 1/241 ، الدرة المضية في أخبار الدولة الفاطمية لابن أيبك
الدواداري ، سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي لعبد الملك بن الحسين المكي
3/538 .
([5])ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك
5/303
([6])هو أبو عبد الله محمد بن العباس الهذلي المعروف بدعدع
، كان إماما عالما فقيها على مذهب مالك ذا حفظ ، سمع من محمد بن سحنون و محمد بن يحيى
بن سلام ، امتحن رحمه الله على أيدي العبيديين وتوفي سنة 326 ( انظر ترجمته في ترتيب
المدارك 5/ 337 .
([7])ترتيب المدارك 5/337 .
([8])سير أعلام النبلاء 15/154 .
([9])ترتيب المدارك 7/ 277 .
([10])هو أبو الفضل العباس بن عيسى المَمْسى ، كان فقيها
زاهدا لم يكن في طبقته أفقه منه ، سمع من موسى القطان والبجلي وجماعة ، وأخذ عنه ابن
أبي زيد و ابن مغيث و غيرها ، ألف كتبا منها : اختصار كتاب ابن المواز و تحريم الخمر
، قتُـل رحمه الله سنة 333 ( ترتيب المدارك 5/ 297 ، الديباج المذهب لابن فرحون ص
310 ) .
([11])رياض النفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية وزهادهم
2/ 297 .
([12])هو أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد السِّبائي ، أحد العلماء
العاملين ومن أولياء الله المعدودين ، صحب ابن نصر وابن بشار وغيرهما ، وكان العلماء
منهم ابن أبي زيد والقابسي يتذاكرون بحضرته ، وكان رحمه الله حميد الأدب مباينا لأهل
البدع شديد الغلظة عليهم ، توفي سنة 356 ( ترتيب المدارك 6/ 54 ، الديباج المذهب ص
141 ) .
([13])ترتيب المدارك 6/ 73 ، ونحوه في سير أعلام النبلاء
15/ 155 .
([14])ترتيب المدارك 5/284 .
[15]هو أبو محمد عبد الله بن أبي زيد ، الإمام الفقيه الكبير
الملقب بـ " مالك الصغير " ، نفزيالنسب سكن القيروان ( تونس حاليا ) ، أخذ
عن شيوخ كثر سواء بالمشافهة أو بالإجازة منهم : الممسى وأبو العرب وابن اللباد وربيع
القطان ، كما أخذ عنه تلاميذ كثر من بينهم : ابن موهب القبري ومكي بن أبي طالب والبراذعي
، خلّف عدة مؤلفات أكثرها لا يزال مفقودا ، فمن المطبوع : النوادر والزيادات على ما
في المدونة وغيرها من الأمّهات ، الرسالة ( وعليها شروح كثيرة ) ، الجامع في السنن
والآداب والحكم والمغازي والتاريخ وغير ذلك ، توفي رحمه الله سنة 386 عن 76 سنة (ترتيب
المدارك 6/ 215 ، معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان للدباغ مع تعليق ابن ناجي
3/ 111 ، الديباج المذهب ص 222 ، شجرة النور الزكية لابن مخلوف 1/ 143سير أعلام النبلاء
للذهبي 17/ 10 ) .
([16])الرسالة ص 61 .
([17])الجامع في السنن والآداب والحكم والمغازي والتاريخ
وغير ذلك ص 147 .
([18]) هو أبو سعيد عبد السلام بن سعيد التنوخي الملقب بسحنون
، الإمام العَلَم ، أصله شامي، أخذ العلم بالقيروان عن بهلول وابن أبي كريمة وجماعة
، رحل إلى مصر والحجاز وسمع من ابن قاسم وأشهب وابن الماجشون وابن وهب وغيرهم ولي قضاء
إفريقية حتى مات رحمه الله وذلك في سنة 240 ( ترتيب المدارك 4/ 45 ، شجرة النور 1/
103 ) .
([19])نقله عنه القاضي عياض في الشفا بتعريف حقوق المصطفى
2/ 213 .
([20])هو أبو محمد عبد الله بن إسحاق المعروف بابن التبان
، ضُربت إليه أكباد الإبل من الأمصار لعلمه بالذب عن مذهب مالك أخذ عن اللباد وغيره
، وسمع منه ابن الناظور وابن اللبيدي وغيرهما ، له كتاب في النوازل ، كان رحمه الله
شديد العداوة لبني عبيد ، توفي سنة 371 (ترتيب المدارك 6/252 , الديباج المذهب ص
223 ، شجرة النور 1/ 143 ) .
([21])ترتيب المدارك 6/252 .
([22])هو أبو سليمان ربيع بن سليمان المعروف بالقطان ، جمع
بين العلم والعمل ، رحل فلقي جماعة من أهل العلم بمصر ، تفقه عنه أحمد بن نصر ولازمه
كما أخذ عنه جماعة آخرون ، قُتل رحمه الله في جهاد بني عبيد سنة 334 ( الترتيب 5/
310 ، شجرة النور 1/ 125 .
([23])ترتيب المدارك 2/ 313 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق