السبت، 2 فبراير 2013

موقف الإمام مالك الجريء من منهج أهل الأهواء الدنيء





الحمد لله ذي العظمة والكبرياء، والمجد والثناء، تعالى عن الأنداد والشركاء، وتقدس عن الأمثال والنظراء، والصلاة والسلام على نبيه وصفيه محمد خاتم الأنبياء وإمام الأتقياء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن بعض الفضلاء من أهل الرغبة في إتّباع السنة والجماعة سألني أن أجمع له ما صح عن الإمام مالك بن أنس في ذم البدعة ومقترفها، وأقومَ بنشره في شبكة سحاب، لتعم الفائدة، ويتبصر الجاهل، فلم أبخل في استجابة طلبه، وزادني رغبة ما رأيته من بعض منتحلي مذهب مالك من تململهم في البدعة، ونشرهم لها تحت غطاء مالك الإمام، بل والله من نظر في حال بعض المالكية المتأخرين وقام بمقارنته بمنهج الإمام مالك رحمه الله بإتقان وعلم فإنه يوصاب بدهشة والذهول إذا لم أقل بالإغماء، لما يراه من تباين وتنافر بين منهج الإمام ومنهج المنتسبين إليه زورا للظحك على المغفلين، ولابتزاز أموالهم، وكذلك وافق الطلبَ بحثٌ قمت بجمعه منذ زمن بعيد وأظن من سنة 1412من هجرته، وعنونت له(من جهود علماء المالكية في خدمة العقيدة السلفية) ساعدني على تلبية الرغبة، والله الموفق.
والله أسأل أن يسر إتمامه على الحسن، وصدوره في يسر. وفي هذا الجزء زبرت ما صح عن الإمام مالك في باب الإيمان و الأسماء والصفات والقضاء والقدر، وموقفه رحمه الله من أهل الأهواء، من المرجئة والقدرية والخوارج، وغيرها من فصول اعتقاد أهل السنة والجماعة مما هو مدون في موضعه
وأما في هذه العجالة فسأقوم بنشر مذهب الإمام مالك في ذم البدعة والفرق الضالة، حتى يدرك من هو منتسب إلى مذهب مالك المنهجَ السليمَ الذي كان عليه هذا الإمام، ويتخلص من تخرصات بعض المالكية الذين جمعوا في أكفهم تأويل الأشاعرة، وجهالات الصوفية من حلول، وقبورية، وشركيات جلية كالاستغاثة بغير الله، والتقرب إلى الأضرحة بالقرابين، ودعاء الموتى عند المصائب والشدائد، ناهيك عن البدع الكثيرة التي أعيت من همّ لجمعها في جزء خاص، تحذيرا للخلق منها.


ورحم الله الإمام مالك فكان كثيرا ما ينشد كما نقل ابن عبد البر في الإنتقاء:

وخَيْرُ أُمُــورِ الدِّين ما كـان سُنَّة    وشرُّ الأمور المحدثات البدائعُ.


ومن دهاء أهل الأهواء من الصوفية وغيرهم كالرافضة، في اصطياد الخلق والسذج، والتلبيس عليهم، وجرهم إلى البدعة والهوى ما ذكر مقاتل بن حيان: ((أهل هذه الأهواء آفة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، إنهم يذكرون النبي صلى الله عليه وسلم، وأهل بيته، فيتصيّدون بهذا الذكر الحسن الجهال من الناس، فيقذفون بهم في المهالك، فما أشبههم بمن يسقي الصبر باسم العسل، ومن يسقي السم باسم الترياق، فأبصرهم؛ فإنك إن لم تكن أصبحت في بحر الماء، فقد أصبحت في بحر الأهواء، الذي هو أعمق غورا، وأشد اضطرابا، وأكثر صواعق وأبعد مذهبا من البحر وما فيه، فتلك مطيتك التي تقطع بها سفر الضلال: إتباع السنة) انظر الإعتصام(1/142ط مشهور).
قلت: صدق رحمه الله، فهو أسلوبهم في التقاط الخلق ورميهم في بحر الأهواء وأكبر شاهد صنيع الجفري رأس الوباء، وإذا أنكر عليهم عاقل صنيعهم من ضجيج وصراخ ورقص، ومدائح زنخة يزعمون فيها مدح النبي رموه ببغض النبي، وانتقاصه، هذا إذا لم يكفروه، ويؤذوه بما ملكت أيمانهم وشمائلهم. وبسبب هؤلاء الأوباش الجُهال عمتِ البدعةُ، وجرت أفراسها من غير مغبر ملء أعنَّتِها، وجثم اليهود والأمركان على صدر الأمة الإسلامية والله المستعان.
وأبدأ بالمقصود بإذن الواحد الودود، سالكا الاختصار والإيجاز، ومعلقا على كلام الإمام برأس العبارة دون إسهاب أو إطناب، فإن أصبت فمن الله وحده وإن أخطأت فمني ومن الشيطان، ومنه تعالى الغفران، والوقاية من النيران.


1- ما هي السنة عند مالك؟
عن عبد الرحمن بن مهدي قال: سُئِل مالك بن أنس عن السنة؛ قال: ما اسم له غير السنة، وتلا ((وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله)).
وحين سأله رجل: مَنْ أهل السنة يا أبا عبد الله؟ قال: الذين ليس لهم لقب يعرفون به، لا جهمي، ولا رافضي، ولا قدري)).
التعليق:
فإمام دار الهجرة يرى أن صاحب السنة من سلك صراط الله المستقيم الذي سار عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولم يسلك زقب السبل، ولم يتسم باسم غير السنة، لأن الطوائف الضالة إما أن تنسب إلى الفعل؛ كالخوارج كلاب النار نسبوا إلى فعل الخروج، وإما أن تنسب إلى الفاعل المؤسس، كالجهمية نسبوا إلى جهم من صفوان، فمن انتسب إلى غير السنة، كأن ينتسب إلى مؤسس الجماعة، كالتجانية، أو الرحمانية، أو القادرية، أو القديانية، أو السرورية، أوالقطبية، أو انتسب إلى فعل الجماعة كالإخوان المسلمين، أو التبليغ، أو الهجرة والتكفير، أو السلفية الجهادية زعمو، فعلى منهج مالك وهو منهج أهل السنة والجماعة فهو على غير سنة، واقع في براثين البدعة، وسجين عرين أهل الأهواء، وغارق في بحر الأدواء.
سؤال: من قال أنا سلفي، أو على منهج أهل الحديث، أو أثري، هل انتسب إلى فعل أو فاعل؟
الجواب: من كان هذا حاله فقد انتسب إلى منهج كامل عمدته الكتاب والسنة وإجماع الأمة، ولم ينتسب إلى نحلة أسسها مجتهد راكد، أو فعل روّجه عنيد شارد.

2- البدع أخطر على العبد من الكبائر خلا الشرك.
ذكر عياض عن مالك من رواية ابن نافع قال: (لو أن العبد ارتكب الكبائر كلها بعد أن لا يشرك بالله شيئا، ثم نجا من هذه الأهواء لرجوت أن يكون في أعلى جنّات الفردوس، لأن كل كبيرة بين العبد وربه هو منها على رجاء، وكل هوى ليس منه على رجاء، إنما يهوي بصاحبه في نار جهنم) الاعتصام(1/223 ط مشهور).
التعليق:
يرى الإمام مالك أن البدع أخطر على العبد من ارتكاب الكبائر، وكلٌ شر، وفي هذا المقطع تحذير لبعض الدعاة الذين ينفقون أوقاتهم في التحذير من المعاصي دون التعريج على البدع، فنجد خطبة في التحذير من الخمر، ودرسا في التحذير من القمار، وجلسة في التحذير من التلفزيون، ولا نجد في المقابل محاضرة في التحذير من فكر الخوارج، ودرسا في التحذير من بدع سيد قطب، والمودودي، أو بعض المناهج الفاسدة المنتشرة في القارة الهندية، أو جلسة في مناقشة بعض المناهج الحديثة التي تولدت من بعض العقول المغرورة، كقواعد عدنان عرعور، وتدليسات علي بلحاج، وهراء سلمان وسفر، وغثاء سرور، وعرفيج أبي الحسن المأربي، ومن تأثر بهم من الدعاة الذين كنا نحسن بهم الظن، وما زلنا إن شاء الله نحسن الظن ببعض دون بعض إلى حين، ما لم يتطور العفن إلى دخن فهناك القفن وعلى نفسها جنت براقش.
أقف عند هذا الحد وأنزل البقية في جلسة أخرى إن شاء الله، والعلة أن الكتابة على الحسوب تتعبني كثيرا.

وكتبه في جلسة واحدة بعد العشاء أخوكم: أبو عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي الجزائري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق